من رحمة الله بعباده أن شرع لهم من الأحكام ما يُكفِّرون به عن ذنوبهم ، ويستدركون به ما فاتهم ، وفي التنزيل يقول سبحانه : والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} (آل عمران ) .
وإذا كان الأصل في العبادات أن تؤدى في أوقاتها المحددة شرعاً ، فإن أداء العبادة قد يتخلف عن وقتها لعذر شرعي ، ولأجل ذلك شرع الله قضاء بعض العبادات ليستدرك العبد ما فاته منها ، وهو ما يعرف بالقضاء الذي يقابل أداء العبادة في وقتها المحدد ، وصيام رمضان لا يخرج عن القاعدة السابقة ، فالصوم له وقت محدد وهو شهر رمضان ، فمن تركه بعذر فإنه يقضيه ، ليستدرك ما فاته من صيام ، وسنتاول في هذا الموضوع جملة من أحكام القضاء والكفارة والفدية في الصوم .
اتفق أهل العلم على وجوب القضاء على كل من أفطر يوماً أو أكثر من رمضان ، لعذر شرعي ، كالسفر ، والمرض المؤقت ، والحيض، والنفاس ، ودليل ذلك قوله تعالى: { فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر} (البقرة:184) ، وقول عائشة رضي الله عنها : " كان يُصيبنا ذلك - أي الحيض - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " رواه مسلم
وكل من لزمه القضاء فإنه يقضي بعدد الأيام التي أفطرها ، فإن أفطرجميع الشهر لزمه جميع أيامه سواء أكانت ثلاثين أم تسعة وعشرين يوماً .
ويستحب المبادرة بالقضاء بعد زوال العذر المانع من الصوم ، لأنه أبرأ للذمة وأسبق إلى الخير ، وله أن يؤخره ، بشرط أن يقضيه قبل حلول رمضان القادم ، لقول عائشة رضي الله عنها : " كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان " رواه البخاري .
ولا يلزم التتابع في قضاء رمضان ولكنه يستحب ، لأن القضاء يحكي الأداء كما قال أهل العلم .
ومن استمر به العذر حتى مات قبل أن يتمكن من قضاء ما عليه من أيام رمضان ، فلا شيء عليه ، لأن الله أوجب عليه عدة من أيام أخر ولم يتمكن منها فسقطت عنه ، وأما من تمكن من القضاء ، ولكنه فرط حتى أدركه الموت فلوليه أن يصوم عنه الأيام التي تمكن من قضائها ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه متفق عليه .